كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال بعض المفسّرين: معنى ترجون: تخافون. ولم نجد معنى الخوف يكون رجاء إلا ومعه جحد. فإذا كان كذلك كان الخوف على جهة الرجاء والخوف، وكان الرجاء كذلك كقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ}:
هذه: للذين لا يخافون أيام اللّه، وكذلك قوله: {ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقارًا}:
لا نحافون للّه عظمة. وهى لغة حجازية. وقال الراجز:
لا ترتجى حين تلاقى الذائدا ** أسبعة لاقت معا أم واحدا

وقال الهذلىّ:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ** وخالفها في بيت نوب عوامل

ولا يجوز: رجوتك وأنت تريد: خفتك، ولا خفتك وأنت تريد رجوتك.
وقوله: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا (112)} يقال: كيف قال: {به} وقد ذكر الخطيئة والإثم؟.
وذلك جائز أن يكنى عن الفعلين وأحدهما مؤنّث بالتذكير والتوحيد، ولو كثر لجاز الكناية عنه بالتوحيد لأن الأفاعيل يقع عليها فعل واحد، فلذلك جاز.
فإن شئت ضممت الخطيئة والإثم فجعلته كالواحد. وإن شئت جعلت الهاء للإثم خاصّة كما قال: {وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْها} فجعله للتجارة. وفى قراءة عبد اللّه وإذا رأوا لهوا أو تجارة انفضّوا إليها فجعله للتجارة في تقديمها وتأخيرها. ولو أتى بالتذكير فجعلا كالفعل الواحد لجاز. ولو ذكّر على نيّة اللهو لجاز. وقال: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما} فثنّى. فلو أتى في الخطيئة واللهو والإثم والتجارة مثنى لجاز. وفى قراءة أبىّ إن يكن غنىّ أو فقير فاللّه أولى بهم وفى قراءة عبد اللّه إن يكن غنىّ أو فقير فاللّه أولى بهما فأمّا قول أبىّ (بهم) فإنه كقوله: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ} ذهب إلى الجمع، كذلك جاء في قراءة أبىّ، لأنه قد ذكرهم جميعا ثم وحّد الغنىّ والفقير وهما في مذهب الجمع كما تقول: أصبح الناس صائما ومفطرا، فأدّى اثنان عن معنى الجمع.
وقوله: {لَهَمَّتْ طائِفَةٌ... (113)}.
يريد: لقد همت طائفة فأضمرت.
وقوله: {أَنْ يُضِلُّوكَ}: يخطّئوك في حكمك.
وقوله: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ... (114)}.
(من) في موضع خفض ونصب الخفض: إلا فيمن أمر بصدقة. والنجوى هنا رجال كما قال وَإِذْ هُمْ نَجْوى ومن جعل النجوى فعلا كما قال: {ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ} فـ (من) حينئذ في موضع رفع. وأمّا النصب فأن تجعل النجوى فعلا. فإذا استثنيت الشيء من خلافه كان الوجه النصب، كما قال الشاعر:
وقفت فيها أصيلانا أسائلها ** عيّت جوابا وما بالربع من أحد

إلا الأوارىّ لأيا ما أبيّنها ** والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد

وقد يكون في موضع رفع وإن ردّت على خلافها كما قال الشاعر:
وبلد ليس به أنيس ** إلا اليعافير وإلّا العيس

وقوله: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثًا... (117)}
يقول: اللات والعزّى وأشباههما من الآلهة المؤنثة. وقد قرأ ابن عباس إن يدعون من دونه إلا أثنا جمع الوثن فضم الواو فهمزها، كما قال: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}.
وقد قرئت {إن يدعون من دونه إلا أنثا} جمع الإناث، فيكون مثل جمع الثمار والثمر {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ}.
وقوله: {نَصِيبًا مَفْرُوضًا... (118)}.
جعل اللّه له عليه السبيل فهو كالمفروض.
وقوله: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ... (119)}.
وفى قراءة أبىّ {وأضلهم وأمنّيهم}.
وقوله: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا... (125)}.
يقول القائل: ما هذه الخلّة؟ فذكر أنّ إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم كان يضيف الضيفان ويطعم الطعام، فأصاب الناس سنة جدب فعزّ الطعام. فبعث إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم إلى خليل له بمصر كانت الميرة من عنده، فبعث غلمانه معهم الغرائر والإبل ليميره، فردّهم وقال: إبراهيم لا يريد هذا لنفسه، إنما يريده لغيره. قال: فرجع غلمانه، فمرّوا ببطحاء لينة. فاحتملوا من رملها فملئوا الغرائر استحياء من أن يردّوها فارغة، فردّوا على إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم فأخبروه الخبر وامرأته نائمة، فوقع عليه النوم همّا، وانتبهت والناس على الباب يلتمسون الطعام. فقالت للخبّازين: افتحوا هذه الغرائر واعتجنوا، ففتحوها فإذا أطيب طعام، فعجنوا واختبزوا. وانتبه إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم فوجد ريح الطعام، فقال: من أين هذا؟ فقالت امرأة إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم: هذا من عند خليلك المصرىّ. قال فقال إبراهيم:
هذا من عند خليلى اللّه لا من عند خليلى المصرىّ. قال: فذلك خلّته.
وقوله: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى... (127)}.
معناه: {قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى}. فموضع (ما) رفع كأنه قال: يفتيكم فيهنّ ما يتلى عليكم. وإن شئت جعلت ما في موضع خفض: يفتيكم اللّه فيهنّ وما يتلى عليكم غيرهنّ.
وقوله: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ} في موضع خفض، على قوله: {يفتيكم فيهنّ} وفى المستضعفين. وقوله: {وَأَنْ تَقُومُوا} {أن} موضع خفض على قوله: ويفتيكم في أن تقوموا لليتامى بالقسط.
وقوله: {خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزًا... (128)}.
والنشوز يكون من قبل المرأة والرجل. والنشوز هاهنا من الرجل لامن المرأة.
ونشوزه أن تكون تحته المرأة الكبيرة فيريد أن يتزوّج عليها شابّة فيؤثرها في القسمة والجماع. فينبغى له أن يقول للكبيرة: إنى أريد أن أتزوّج عليك شابّة وأوثرها عليك، فإن هي رضيت صلح ذلك له، وإن لم ترض فلها من القسمة ما للشابّة.
وقوله: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} إنما عنى به الرجل وامرأته الكبيرة.
ضنّ الرجل بنصيبه من الشابة، وضنّت الكبيرة بنصيبها منه. ثم قال: وإن رضيت بالإمرة.
وقوله: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ... (129)}.
إلى الشابة، فتهجروا الكبيرة كل الهجر {فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ} وهى في قراءة أبىّ (كالمسجونة).
وقوله: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ... (135)}.
هذا في إقامة الشهادة على أنفسهم وعلى الوالدين والأقربين. ولا تنظروا في غنى الغنىّ ولا فقر الفقير فإن اللّه أولى بذلك.
{فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا} فرارا من إقامة الشهادة. وقد يقال: لا تتبعوا الهوى لتعدلوا كما تقول: لا تتبعنّ هواك لترضى ربك، أي إنى أنهاك عن هذا كيما ترضى ربك. وقوله: {وَإِنْ تَلْوُوا} وتلوا، قد قرئتا جميعا. ونرى الذين قالوا: {تلوا} أرادوا {تلؤوا} فيهمزون الواو لانضمامها، ثم يتركون الهمز فيتحوّل إعراب الهمز إلى اللام فتسقط الهمزة. إلا أن يكون المعنى فيها: وإن تلوا ذلك، يريد: تتولّوه {أَوْ تُعْرِضُوا} عنه: أو تتركوه، فهو وجه.
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا... (137)}.
وهم الذين آمنوا بموسى ثم كفرا من بعده بعزيز، ثم آمنوا بعزيز وكفروا بعيسى. وآمنت اليهود بموسى وكفرت بعيسى.
ثم قال: {ثُمَ ازْدادُوا كُفْرًا} يعنى اليهود: ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم.
وقوله: {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ... (141)}.
جزم. ولو نصبت على تأويل الصرف كقولك في الكلام: ألم نستحوذ عليكم وقد منعناكم، فيكون مثل قوله: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} وهي في قراءة أبىّ ومنعناكم من المؤمنين فإن شئت جعلت ومنعناكم في تأويل وقد كنا منعناكم وإن شئت جعلته مردودا على تأويل الم كأنه قال: أما استحوذنا عليكم ومنعناكم. وفى قراءة أبىّ ألم تنهيا عن تلكما الشّجرة وقيل لكما.
وقوله: {فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (145)} يقال الدرك، والدرك، أي أسفل درج في النار.
وقوله: {فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ... (146)}.
جاء في التفسير: من المؤمنين.
وقوله: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ... (148)}.
وظلم. وقد يكون مِنَ في الوجهين نصبا على الاستثناء على الانقطاع من الأوّل. وإن شئت جعلت مِنَ رفعا إذا قلت {ظُلِمَ} فيكون المعنى: لا يحبّ اللّه أن يجهر بالسوء من القول إلا المظلوم. وهو الضيف إذا أراد النزول على رجل فمنعه فقد ظلمه، ورخّص له أن يذكره بما فعل لأنه منعه حقّه.
ويكون {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ} كلاما تاما، ثم يقول: إلا الظالم فدعوه، فيكون مثل قول اللّه تبارك وتعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} فإن الظالم لا حجّة له، وكأنه قال إلا من ظلم فخلّوه. وهو مثل قوله: {فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ} ثم استثنى فقال: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} فالاستثناء من قوله: {إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ} وليست فيه أسماء. وليس الاستثناء من قوله: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} ومثله ممّا يجوز أن يستثنى (الأسماء ليس قبلها) شيء ظاهر قولك: إني لأكره الخصومة والمراء، اللهم إلّا رجلا يريد بذلك اللّه. فجاز استثناء الرجل ولم يذكر قبله شيء من الأسماء لأن الخصومة والمراء لا يكونان إلا بين الآدميّين.
وقوله: {قُلُوبُنا غُلْفٌ (155)} أي أوعية للعلم تعلمه وتعقله، فما لنا لا نفهم ما يأتى به محمد صلى اللّه عليه وسلم فقال اللّه تبارك وتعالى: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}.
وقوله: {وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ... (157)}.
الهاء هاهنا لعيسى صلى اللّه عليه وسلم.
وقوله وَما قَتَلُوهُ يَقِينًا الهاء هاهنا للعلم، كما تقول قتلته علما، وقتلته يقينا، للرأى والحديث والظنّ.
وقوله: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ... (159)}.
معناه: من ليؤمننّ به قبل موته. فجاء التفسير بوجهين أحدهما أن تكون الهاء في موته لعيسى، يقول: يؤمنون إذا أنزل قبل موته، وتكون الملّة والدين واحدا.
ويقال: يؤمن كل يهودىّ بعيسى عند موته. وتحقيق ذلك في قراءة أبىّ إلا ليؤمننّ به قبل موتهم.
وقوله: {إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ... (163)}.
كما أوحينا إلى كلهم.
وقوله: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ... (164)}.
نصبه من جهتين. يكون من قولك: كما أوحينا إلى رسل من قبلك، فإذا ألقيت (إلى) والإرسال اتصلت بالفعل فكانت نصبا كقوله: {يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذابًا أَلِيمًا} ويكون نصبا من (قصصناهم).
ولو كان رفعا كان صوابا بما عاد من ذكرهم. وفى قراءة أبىّ بالرفع ورسل قد قصصناهم عليك من قبل ورسل لم نقصصهم عليك.
وقوله: {فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ... (170)}.
(خيرا) منصوب باتصاله بالأمر لأنه من صفة الأمر وقد يستدلّ على ذلك ألم تر الكناية عن الأمر تصلح قبل الخير، فتقول للرجل: اتق اللّه هو خير لك أي الاتقاء خير لك، فإذا سقطت (هو) اتصل بما قبله وهو معرفة فنصب، وليس نصبه على إضمار (يكن) لأن ذلك يأتى بقياس يبطل هذا ألا ترى أنك تقول: اتق اللّه تكن محسنا، ولا يجوز أن تقول: اتق اللّه محسنا وأنت تضمر (تكن) ولا يصلح أن تقول: انصرنا أخانا (وأنت تريد تكن أخانا).